تصميم "فرحة الأسماك السابحة": حوار فلسفي في فضاء معماري

تجربة معمارية تجمع بين الفلسفة الشرقية والحداثة التصميمية

استلهم تشيان تشين تصميم معرض "فرحة الأسماك السابحة" من الحوار الشهير بين الفيلسوفين الصينيين زوانغتسي وهويزي، حيث يتناولان مفهوم الفرح من منظور الأسماك والإنسان. هذا الحوار الفلسفي العميق شكّل جوهر الفكرة التصميمية، إذ سعى المصمم إلى تجسيد روح النقاش الشعري والمنطقي في الفضاء المعماري، مستخرجًا "فرحة السباحة" كمفهوم مركزي يربط بين الطبيعة والتأمل الإنساني.

تتجلى فرادة هذا المعرض في قدرته على دمج الإرث الثقافي العريق مع تقنيات التصميم الحديثة. فقد اعتمد تشيان تشين على خطوط منحنية وتراكيب ديناميكية تحاكي حركة الأسماك الحرة في الماء، مما أضفى على المكان طابعًا شاعريًا وحيويًا. وبهذا، يتحول الفضاء إلى تجربة حسية تدعو الزائر إلى التأمل في العلاقة بين الإنسان والبيئة، وبين الفرد والمجتمع، في انسجام مع مفاهيم الفلسفة الشرقية حول وحدة الإنسان والطبيعة.

يقع المعرض داخل هيكل زجاجي مستطيل، حيث تبرز المنحنيات الداخلية لتعزز من انسيابية المكان وتمنحه شعورًا بالانفتاح والتنفس. يتكون المبنى من طابقين، بطول 21.5 مترًا، وارتفاع 8.2 مترًا، وعرض 13.3 مترًا، على مساحة إجمالية تبلغ 285.95 مترًا مربعًا. هذه المواصفات التقنية صُممت بعناية لإبراز التناقض بين الخطوط المستقيمة للهيكل الخارجي والحركة الانسيابية للداخل، مما يعكس فكرة الحوار بين المنطق والشعر.

تتعدى وظيفة المعرض حدود العرض البصري، إذ يتيح للزوار التفاعل مع الفضاء عبر استحضار فعل "السباحة" كرمز للتواصل بين المراقب والمراقَب. هذا التفاعل يدفع الزائر إلى إعادة التفكير في موقعه ضمن منظومة الطبيعة والمجتمع، ويجسد مفهوم الانسجام بين الإنسان والعالم المحيط به. كما أن التصميم يستند إلى أبحاث معمقة حول كيفية إدراك الفرح من منظور الأسماك والمراقب، ليصل إلى لحظة وحدة بين الذات والبيئة.

واجه المشروع تحديات إبداعية وتقنية، كان أبرزها ترجمة جوهر القصة الفلسفية وتجسيد الحوار بين زوانغتسي وهويزي في فضاء عملي وملهم في آن واحد. وقد نجح التصميم في تجاوز هذه العقبات من خلال التكامل بين العناصر الجمالية والوظيفية، ليحصد جائزة الحديد في فئة تصميم المساحات الداخلية والمعارض لعام 2025، تقديرًا لابتكاره وملاءمته للمعايير المهنية والصناعية.

يختتم معرض "فرحة الأسماك السابحة" رحلته بتجربة معمارية وفكرية تلامس جوهر الفلسفة الشرقية، وتعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والطبيعة ضمن إطار تصميمي معاصر. يمثل هذا المشروع دعوة للتأمل في مفاهيم الانسجام والوحدة، ويؤكد على دور التصميم في إثراء الحياة اليومية وإلهام الأفراد نحو فهم أعمق للذات والعالم.